على مدى السنوات السابقة، لعب الأكراد في سوريا والعراق دوراً بارزاً على مستوى الحرب ضد الجماعات الإرهابية، لا سيما تنظيم "داعش" الذي نجح في إحتلال مساحات واسعة من البلدين، مستفيدين من الدعم الكبير الذي حصلوا عليه من قبل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، لكن منذ ذلك الوقت تطرح العديد من علامات الإستفهام حول الثمن الذي سيحصلون عليه مقابل ذلك، لا سيما في ظل حلم "الإستقلال" الذي لم يتخلوا عنه في يوم من الأيام.
إنطلاقاً من هذا الواقع، كان الكثيرون يعتبرون أن المعركة الأساس ستكون في المرحلة التي تلي القضاء على "داعش" لا قبل ذلك، نظراً إلى أن جميع اللاعبين سيسعون إلى إستثمار ما حققوه على المستوى العسكري في الميدان السياسي، الأمر الذي وضع أي خطوة يقوم بها أكراد سوريا أو أكراد العراق تحت المجهر، لا سيما أن هناك أكثر من دولة إقليمية غير راضية عن الإعتماد عليهم من قبل القوى الدولية الكبرى.
على هذا الصعيد، ترى مصادر متابعة لهذا الملف، عبر "النشرة"، أن ما يطرحه الأكراد في الدولتين يثير "الريبة" إلى حد بعيد، خصوصاً أنهم لم يتأخروا في العراق بالدعوة إلى إجراء إستفتاء على الإستقلال عن الحكومة المركزية في بغداد، في حين أنهم في سوريا عمدوا إلى تحديد مواعيد لإجراء انتخابات، هي الأولى من نوعها، في مناطق سيطرتهم التابعة لـ"الإدارة الذاتية".
وتشير هذه المصادر إلى أن الصورة العامة باتت توحي بأن الأكراد في سوريا والعراق سيكونون الورقة التي يجري الإعتماد عليها لتقسيم البلدين، بالرغم من أنهم يرفضون إستخدام هذا المصطلح في توصيفهم ويصرون على إستقلال قرارهم، بعيداً عن المساعدات العسكرية التي قدمت لهم على مدى السنوات السابقة.
من وجهة نظر هذه المصادر، الإنقسام الإقليمي حول هذا الملف سيكون هو الطاغي في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن هناك جهات تعتبر نفسها معنية بأي تطور على مستوى هذا الملف، لا سيما سوريا والعراق وإيران وتركيا، في حين أن هناك جهات أخرى قد تستخدمهم لتحقيق مصالحها، بالتحديد الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية بالإضافة إلى قوى إقليمية أبرزها السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وتشير المصادر المتابعة إلى أن جميع هؤلاء اللاعبين يملكون ما يكفي من أوراق القوة لإشعال مواجهات عسكرية أو سياسية من نوع آخر بعد الإنتهاء من "داعش" لتأمين مصالحهم، حيث أن الكل يريد التركيز على عنوان محاربة الإرهاب دون سواه، لكنها تعتبر أن الأكراد ربما يكونون قد تسرعوا في الخطوات العملية التي ستقود إلى المواجهة حتماً، لا سيما أن القوى الدولية الداعمة لهم لم تقدم الغطاء العلني المناسب لهم.
بالنسبة إلى هذه المصادر، لا يمكن إغفال الرسالة التي كان قد وجهها السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد، قبل فترة قصيرة، لناحية تأكيده بأن الأكراد سيدفعون ثمن ثقتهم بالأميركيين، وأن بلاده تستخدمهم فقط لقتال "داعش" ولن تستعمل القوة للدفاع عنهم ضد سوريا أو إيران وتركيا، وتعطي مثالا على ذلك بما قام به الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخراً لناحية وقف مشروع دعم المعارضة السورية المسلحة، وترى أن ليس هناك ما يمنع حصول هذا الأمر مع القوات الكردية في مرحلة لاحقة، خصوصاً إذا ما وجدت واشنطن أن لا مصلحة لها في إغضاب كل من دمشق وبغداد وطهران وأنقرة معاً.
في المحصلة، تعتبر هذه المصادر أن ما يقوم به الأكراد في سوريا والعراق، في الوقت الراهن، نوع من "المقامرة"، قد تقودهم إلى تحقيق أهدافهم، لكن في المقابل قد تؤدي إلى خسارتهم كل الإنجازات التي تحققت على مدى السنوات السابقة.